تعليم ، دروس ، تمارين ، حلول ، كتب ، أكواد ، طبخ ، أخبار ، توظيف
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
style

شاطر
 

 التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
نجم الجزائر
المدير العام
المدير العام
نجم الجزائر

البلد : الجزائر
الجنس ذكر
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 12/01/1994
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 10301
السٌّمعَة السٌّمعَة : 569
الإنتساب الإنتساب : 15/08/2011

التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن  Empty
مُساهمةموضوع: التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن    التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن  Empty11/11/2013, 5:24 pm

التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن
الأدب المقارن


التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارنة
والآن إلى التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية، ومدى أهميتها في الدراسات الأدبية المقارِنة:
لَقد ساق الدكتور محمد غنيمي هلال بعض ما تأثر به "التروبادور" من الشعر العربي، حين تحدّثُوا عن النَّسيم الذي يُقْبِلُ من جهة الحبيبة كأنه نعيم الخلد، وحين صوروا ما يعانونه من سهد وسقم، وما يسحونه من دموع غزار، وما يصيبهم من ذهول حين يستغرقون في الذكريات، حتى ليقال عن الواحد منهم إنه مجنون، وحين يصبون لعناتهم على الرقيب والواشي، وحين يقيمون على اليأس لا يتحولون عن تدللهم في هوى حبائبهم، راضين منهن بالخيال الباطل الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع. وبالمثل يتحدث الدكتور هلال عن تأثر الشاعر الإيطالي "بيترارك" في أسلوبه وصوره البيانية بشعراء "التروبادور" إذ شبه الحب بالنار والحديد والقيود والسجن، وجعل الموت فيه شهادة.
كذلك فهو يقتطف من شعر شوقي قوله في مسرحية "مصرع كليوبترا" على لسان "أنطونيوس": "إنه لن يظهر في قصر كليوبترا قبل أن ينتقم لهزيمته في موقعة "أكتيوم" البحرية:
آلى وأقسم أنه لا يرى في قصرها ... حتى يُقَوَّم مجده المنهار
إنّ البلاء أجَلُّ مِن ألا يُرى ... عجبًا أتخفى في الهشيم النار"
فهذه الصورة الأخيرة التي يقول فيها: "أتخفى في الهشيم النار" التي تعد شيئًا طريفًا في العربية، هي صورة جد مألوفة في الفارسية، وقد انتقلت منها إلى التركية التي كان شوقي يعرفها. ومثل ذلك قول شوقي أيضًا على لسان "أنوبيس" من نفس المسرحية: "وأنتن والناس قد تلتقون، ففيكن شر وفي الناس شر". إذ قال هلال ما معناه: أنّ الالتقاء بين شيئين بمعنى تشابههما، لم يكن معروفًا في العربية من قبل، على عكسه في الفرنسية، التي تستعمل الفعل " souronkontra " في هذا المعنى استعمالًا حقيقيًّا لا مجازيًّا، وكان شوقي كما نعرف جميعًا قد درس الحقوق في فرنسا؛ فأتقن لسانها وكان يقرأ به.
وفي هذا السياق نَرى هلال يتذكر ما دار بين الدكتور طه حسين، ومصطفى صادق الرافعي، من مُلاحاة حين عاب الأول أسلوب الأخير، ورماه بالتكلف والتصنع والعنت؛ حتّى لقد وصفه بأنه يعاني في تأليف كتبه آلام الوضع، مع أن تلك العبارة في الفرنسية -كما يقول الدكتور هلال- لا تستعمل في مجال التهكم والزراية، بل في الدلالة على شدة اهتمام الأديب بصياغة أسلوبه، كي يجيء أسلوبًا رصينًا مُحكمًا، وهو ما قاله "فلوبير" عن نفسه. وما أشَارَ إليه هلال من أنّ "فلوبير" كان يَبذُل جهدًا مضنيًا للفوز بالكلمة والعبارة التي يريد، هو كلام صحيح، وكان "فلوبير" يقضي في بعض الأحيان أسبوعًا
كاملًا من أجل اقتناص كلمة واحدة، لا يستريح حتى يفوز بها، وقد وصف كاتب مادة "فلوبير" في موسوعة "لاروس" المشباكية الفرنسية بأنه صنيعي أسلوب "أرتيزون دستيل" كما ساق التشبيه الذي شبه "فلوبير" به نفسه أثناء تعاطيه الكتابة، وما يلقاه فيها من إرهاق في سبيل العثور على الكلمة المناسبة فقال: "إنه كان يشبه نفسه بالبقرة في حالة المخاض".
وما أشار إليه هلال يدل على أن الصورة المستعارة -أية صُورة مُستعارة- قد تدلُّ في بيئتها الجديدة على عكس ما قصد صاحبها الأصلي، على ما رأينا معا الآن، على أنّ المَسرحية لَما تتم فصولًا؛ فقد جاء رد الرافعي على طه حسين صاعقًا ماحقًا مفحمًا إذ لما سخر طه حسين من أسلوبه قائلًا: إنه يذكره بامرأة تلد ولادة عسرة، كان رد الرافعي الذي استفزته هذه السخرية مفحمًا، إذ طلب منه أن يحاول مثل هذه الولادة وسوف يتكفل بأن يحضر له المولدة، ويدفع عنه أجرتها أيضًا. ووصف كاتب مادة "فلوبير" في النسخة الإنجليزية من الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" الجهد العنيف المرهق الذي كان يبذله "فلوبير" في صياغة أسلوبه، وإن لم يُشر إلى الصورة الطريفة التي استعملها طه حسين للسُّخرية من أسلوب الرافعي، مستعيرًا إياها من "فلوبير" حسبما ذكر محمد غنيمي هلال، بل ذكر فقط رشح جبهته على الدوام بالعرق الغزير.
وإذا كان الدكتور هلال قد اقتصر في كلامه في هذا الموضوع، أو كاد أن يقتصر على الصور البيانية وما إليها من عناصر وأسلوب، فإن الأسلوب أوسع من هذا كثيرًا جدًّا؛ إنه اللفظة والصيغة والتركيب والعبارة والصورة.
دخلت العربية آلاف الألفاظ الجديدة، وبعضها مستعار من هذه اللغة الأجنبية أو تلك، دون تغيير مثل: أوكسجين وهيدروجين وسينما وراديو وتليفزيون وموتور وميكروكروم وفيلم وإنترنت وكمبيوتر وسوبر ماركت، وبعض هذا المستعار قد تم تعربيه، أي: إعطاؤه شكلًا عربيًّا بإجرائه على وزن من أوزاننا الصرفية، مثل: البترول والتلفاز والتقنية والقرصان والبنزين والرنة واللامة والفاكس وتلفن فلانًا أي كلمه في الهاتف، ومنتج أي: قام بالمونتاج وتمكيجت المرأة، أي: وضعت مساحيق الزينة على وجهها ... إلى آخره.
وبعض ثالث تُرجم إلى العربية ترجمة: كالقطار والمذياع والمرناء والسيارة والباخرة والغواصة والدبابة والطيارة والحاسوب أو الكاتوب -كما أحب أن أسميه- والهاتف والشطيرة، وشمعة الاحتراق، والكابح والتكييف والصحيفة والمجلة والمرأب والرأسمالية والاشتراكية والشيوعية والبنيوية والعولمة والخصخصة والتطبيع والرأي العام وتصادم الحضارات والكتلة الشرقية والكتلة الغربية والحرب الباردة والدب الروسي والتنين الصيني والعم سام والتنويم المغناطيسي والتحالف الدولي، وهو ما يصعب تقصيه وإحصاؤه. كذلك عرفت لغتنا التوسع في ألفاظ المصدر الصناعي في مجال المذاهب والأديان، والاتجاهات الفلسفية والاجتماعية والأدبية، التي غزت اللغة العربية غزوًا في العصر الحديث، مثل: القنفشيوسية والشنتوية والطوطمية والمحسوبية والتقليدية والرجعية والذرائعية والوجودية والماركسية والنازية والفاشية والصهيونية والمادية والمثالية والعقلانية والسفالينية والناصرية والقومية والإنسانية والكلاسيكية والرومانسية والأسلوبية والبنيوية والشعرية والنجومية. وهلم جرًّا.
ومن هذه الاشتقاقات التي انتشرت في لغتنا في العصر الحالي أيضًا تلك الأسماء والصفات المبدوءة بلا. مثل: لا ديني ولا أدريّ ولا مركزي ولا مبالاة
واللامعقول واللاشعور واللاوعي واللاجدوى وحالة اللاسلم واللاحرب ونقطة اللاعودة واللامتناهي مثلًا. على أنّ الأمر لا يقف عند حدود الألفاظ والصيغ بل تدخل فيه أيضًا التعبيرات والصور التي لم تكن تعرفها لغة الضاد من قبل، مثل: أعطاه الضوء الأخضر، والكرة الآن في ملعبه، ويُغرد خارج السرب، ووضع فلانًا على الرف، وشعر بالألم حتى النخاع، ودق طبول الحرب، ويصطاد في الماء العكر، وينشُر غسيله القذر أمام الناس، وأدار ظهره للمشكلة، وأعار فلانًا أذنًا صماء، وانطلق كالصاروخ، ويحدث هذا في أحسن العائلات، وسقط بين كرسيين، ويبحث عن الظُهر في الساعة الرابعة عشرة، ولكمه بقفاز من حرير، وألقى القفاز في وجهه، ويحارب وظهره إلى الحائط، وفلان على الهامش، وآلة الحرب الجهنمية، والعمليات الاستشهادية، وغسيل الأموال، ونجوم الفن، وغداء عمل، وابتسامة لزجة، والكرة الأرضية، والمياه الإقليمية، والفضاء الخارجي، وغزو الفضاء، وحقوق الإنسان ... إلى آخره. وهو بحر واسع وعميق.
وكثير من هذه التعبيرات والصور منقول نقلًا مباشرًا أو مقاربا عن اللغات الأجنبية. ويمكن التحقق من ذلك إذا رجعنا إلى أي معجم إنجليزي أو فرنسي أو ألماني عربي، ولسوف نجد تلك الأصول الأجنبية ترجمتها العربية، كما نستطيع التثبت أيضًا بالمقارنة بين المعاجم العربية المعاصرة، ونظيرتها القديمة، حيثُ نقع في الأولى على عشرات بل مئات التعبيرات التي تخلو منها الأخيرة، وهذه سُنّة كونية لا يختص بها لساننا وأدبنا، بل تخضع لها جميع اللغات والآداب. ويصدق هذا أيضًا على التراكيب إذ ثمة عدد منها قد استجد، ومن ذلك قولهم: لعب هو الآخر، أي: لعب هو أيضًا، وضرب كلاهما الآخر بدلًا من تضاربا
ويتخاصمون مع بعضهم البعض، والأسلوب القديم يكتفي في هذا الموضع بـ يتخاصمون، ولم آكل تفاحًا فقط بل وعنبًا أيضًا، بدلًا من لم آكل تفاحًا فقط بل أكلت تفاحًا وعنبا، وأنا مُعجبٌ به كروائي، ورأيته قبل أن مات بيوم، باستخدام الزمن الماضي في مات بدلًا من رأيته قبل أن يموت، وأرجح الرأي أنه قياسٌ على التركيب الإنجليزي في مثل هذه الجملة.
وهذا التركيب يكثر لدى الكتاب اللبنانيين فيما لاحظت، وسأذهب لزيارته دون أن أخطره، وإن كانت اللياقة الاجتماعية تقتضي خلاف ذلك أي رغم أن اللياقة الاجتماعية تقتضي غير ذلك، ومصر السادات وأمريكا بوش، تأسيًا بأساليب الغربيين في إضافة أسماء الدول إلى حكامها، ولون وحجم الكتاب، وهو تركيب موجود في العربية القديمة لكن على استحياء شديد، أما في العصر الحديث فيستعمل كثيرًا، وبخاصة في الكتابات الصحفية والقصصية، والرافضون لهذا التركيب يقولون: إن الصواب هو لون الكتاب وحجمه. ومنه أيضًا: لا أدري إن كان أو ما إذا كان سيأتي أو لا يأتي، اقتفاء بالأسلوب الإنجليزي والفرنسي " I dont now wther أو je na can ba see ' " ومنه كذلك: هو يتحدث لا عن تونس بل عن الجزائر، بدلًا من أن يقول: يتحدث عن الجزائر لا عن تونس، ومنه أيضًا: هو حريص على الذهاب إلى المدرسة لا لشيء لا ليهرب من قسوة أبيه، وليس ذلك فقط بل هناك كذا وكذا أيضًا.
ويُضاف إلى ما مَرّ الإكْثَارُ من الجُمل الاسمية حيثُ يستحسن الذوق العربي، استعمال الجملة الفعلية، وكذلك كثرة الجمل الاعتراضية وحذف "وقد" أو "وإن" من بدايات الجمل، كذلك في الكتابة العربية الآن كتابة مرسلة، لا سجع فيها ولا جناس ولا ازدواج ولا تورية إلا في النادر، ولقد غبر على أدبنا زمان كانت المحسنات البديعية
-وعلى رأسها السجع والجناس والازدواج- سِمة سائدة فيه، كان ذلك في أواخر العصر العباسي، وطوال العصرين المملوكي والعثماني. ثم لما وقعت النهضة الحديثة، نَهَض الأدب العربي، وشَرَع يتقلقل من هذا الوضع، وأخذ يتخفف من السَّجعِ والبديعِ قَليلًا قليلًا حتى يتخلص منه. ويصدق هذا بدرجة كبيرة على عدد من الكتب التي ظهرت في بدايات العصر الحديث، مثل: (تخليص الإبريز في تلخيص باريس) و (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين) لرفاعة الطهطاوي وكتب أحمد فارس الشدياق بوجه عام، وكتابات محمد عبده المتأخرة.
ولم يتم الأمر بين عشية وضحاها، ولم يحسمه كاتب واحد على خلاف ما يفهم من كلام الدكتور شوقي ضيف، من أنّ محمد عبده قد تحول بالكتابة من السجع والمحسنات إلى الأسلوب المرسل، مع أنّ الطهطاوي والشدياق مثلًا قد سبقاه إلى هجران السجع والبديع في كثير مما كتبا، كما أن الأسلوب البديعي ظل يستعمله الناثرون بعد محمد عبده مثل: أحمد شوقي في "أسواق الذهب" وحافظ إبراهيم في "ليالي سطيح" ومحمد المويلحي في "حديث عيسى بن هشام" ومحمد توفيق البكري في "سهاريج اللؤلؤ" على ما هو معروف. ويرجع شيوع الأسلوب المرسل في أدبنا الحديث إلى عدة عوامل منها: التأثر بالآداب الأجنبية التي أخذ كثير من كتابنا ينظر إليها على أنها هي الأسوة التي ينبغي الاقتداء بها، وبخاصة أن الأسلوب العربي على أيام ابن المقفع، والجاحظ وابن المعتز، وأبي الفَرج الأصفهاني، وابن حزم وابن طفيل ومن إليهم كان هو الأسلوب المرسل. ومنها كذلك:
انتشار التعليم والطباعة واتساع دائرة القراء بحيث شملت أوساط المتعلمين وصغارهم والعامة أيضًا؛ فكان لا بد من أسلوب يسهل فهمه ومتابعته؛ حتى على القارئ العادي.
ثم إنّ دخول الصحافة إلى الميدان، وما ترتب على ذلك من وجوب مراعاة الكتاب لعامل السرعة، حتى يستطيعوا ملاحقة المطبعة، وتغذية الصحف يوميًّا بحاجتها إلى المقالات والقصص، والتحقيقات والدراسات، قد دفعهم حثيثًا إلى العمل على التخلص من الأسلوب البديعي القديم، الذي كان يَحتاجُ إلى تروية وعصر ذهن، ومعرفة بدقائق الألفاظ والصيغ ومتعثكل التراكيب، ونحن نعرف أن الصحافة بالوضع الذي نعرفها الآن عليه هي استيراد عربي من الدول الأوروبية. وكان الأدب العربي القديم كله يُكتب باللغة الفصحى شعرًا ونثرًا اللهم إلا الخرجات العامية لبعض الموشحات الأندلسية، وإلا الزجل وما إليه. أما النثر؛ فلا أستطيع أن أذكر منه شيئًا ذا بال، سوى أنّ أسَامة بن منقذ في ترجمته لنفسه في كتاب "الاعتبار"، كان يخلطُ الفُصْحَى بالعامية أحيانًا، إذ كان يملي كتابه شفاهًا، ولم يكتبه بيده، وإلا فإن مؤلفاته الأخرى التي سجلها بقلمه، ولم يملها على أحد قد كُتبت كما كتب النثر العربي كله في تلك الأزمان بالعربية الفصيحة.
ومع ذلك لم يحدث أن دعا أحدٌ تحت أي ظرف، أو لأي سبب إلى نبذ الفصحى وإحلال العامية محلها، وظل هذا هو الوضع حتى العصر الحديث، ووقوع معظم البلاد العربية في قبضة الاحتلال الأوروبي، وقدوم المستشرقين إلى بلادنا للعمل والإقامة؛ فعندئذ ظهرت الدعوة إلى استبدال العامية بالفصحى في الكتابة والأدب، بذريعة أن ذلك أصدق في التعبير عما بالنفوس، وأن العامية أقدر على
استيعاب العلوم العصرية. فضلًا عن الزعم بأن هذا هو التطور الطبيعي للأمور؛ فكما حدث أن اللاتينية التي كان يستعملها عدد من البلاد الأوروبية في العصور الوسطى، قد اختفت في العصر الحديث من دنيا الاستعمال، وحلت مكانها اللهجات المختلفة التي انشعبت منها كالفرنسية والإيطالية والإسبانية؛ فكذلك من الطبيعي أن تختفي العربية الفصحى لتأخذ مكانها اللهجات المتعددة التي تستخدمها الشعوب العربية في أغراض حياتها اليومية.
ومن الذين دعوا في مصر إلى استخدام العامية في الكتابة: "مجلة المقتطف" التي كانت تنزع منزعًا غربيًّا واضحًا، وذلك في سنة ألف وثمانمائة وإحدى وثمانين ميلادية، ثم قاض إنجليزي في محكمة الاستئناف المصرية اسمه "ويلمر" أصدر كتابًا في عام ألف وتسعمائة واثنين، حاول فيه التقعيد للعامية القاهرية، ودعا إلى اتخاذها أداة للكتابة بدل الفصحى. وتلاه بعد أربع وعشرين سنة إنجليزي آخر هو مهندس الري "ويليم كوكس" الذي ترجم أجزاء من الإنجيل إلى العامية تطبيقًا عمليًّا لتلك الدعوة المشبوهة، أمّا في لبنان فممن تولوا كبر هذه الدعوة: "روفائيل نخلة" الذي كان يدعو إلى العامية وتزيينها لمن حوله، والذي يقول العالمون ببواطن الأمور: إنه هو المؤلف الحقيقي للكتاب الذي عليه اسم "مارون غصن" في قواعد العامية اللبنانية.
ومنهم أيضًا سعيد عقل الذي أصدر صحيفة أسبوعية بالعامية اللبنانية المكتوبة بحروف لاتينية، ومنهم كذلك الشاعر يوسف الخال، الذي كان يسمي العامية اللغة المحكية؛ كي يغطي سوءتها خداعا منه لمن لا يوافقونه على رأيه وموقفه.
وفي بلاد المغرب العربي قام بهذه الدعوة الأثيمة منذ العشرينات بعض الرهبان الفرنسيين المسمين بالآباء البيض، كالأب "فوكا" والأب "سلّام" فضلًا عن عدد من المستشرقين أمثال "ماسينيون" و"كولون" و"فيرساي". وقد وقف في وجه هذه المخططات أبناء البلاد الشرفاء، ويَذكُر مُحَمّد مزادي أن كثيرًا من المستشرقين قد أفنوا أعمارهم في دراسة اللهجات العامية في بلاد المغرب العربي، ناعتين الفصحى بالجمود والقصور، وإن كان بعضهم قد تراجع عن رأيه كالمستشرق "ويليم مارسيه" الذي عَادَ فكتب يمجّدُ لُغة الضّاد مؤكدًا مقدرتها على التعبير عن أي رأي أو إحساس مهما دق أو لطف. وكانت المسرحيات الهزلية هي السابقة في الصناعة العامية، أما الآن فكثير من المسرحيات هزلية كانت أم جادة، تصطنع هذه اللهجة كمسرحيات محمد تيمور، ويوسف إدريس، ومصطفى محمود، وألفريد فرج عاشور وعلي سالم، وغيرهم في مصر وقس على ذلك نظراءهم في البلاد العربية الأخرى.
على أنه لا بد من القول: بأنّ من كُتّاب المَسْرحيات من يؤثرون الفصحى، ولا يَرْضَون النزول إلى مستوى العامية في إبداعاتهم كمحمود تيمور، وعلي أحمد باكثير، وتوفيق الحكيم، من مصر.
ومحمد المسعدي من تونس، وسعد الله ونوس من سوريا، أي أن هناك تيارين لغويين مختلفين في ميدان التأليف المسرحي. أما في ميدان القصص فثمة عدد من المؤلفين يزاوجون في أعمالهم بين الفصحى في السرد والوصف والتحليل، وبين العامية في الخبر بدعوى أن الناس لا يتحدثون في حياتهم اليومية بالفصحى؛ فكيف يصح أن ننطقهم بها في الرواية والقصص، وفاتهم أن الواقعية لا تعني نقل الواقع كما هو؛ لأن هذا مستحيل بل العبرة بالإيهام بذلك، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال الفصحى، والمهم أن يُحْسِنَ الكاتب تصوير شخصياته، والمطابقة بين مستواه الفكري والاجتماعي والنفسي، وبين لغتها فيجعل لغة العامة والخدم مثلًا أبسط من لغة الرؤساء والمثقفين، وهذا هو المحك الحقيقي لموهبة القصاص وبراعته، لا اللجوء إلى العامية التي نعرف كلنا أنها ليست عامية واحدة للعرب جميعًا، ولا في أي بلد على حدة بل ولا في أية مدينة، إذ هي تختلف باختلاف الأحياء والطبقات والأجيال كذلك.
وأين الكاتب الذي يجرؤ على زعم بأنه يعرف كل تلك اللهجات العربية بدقائقها وشياتها المختلفة، وعلى أية حال فإن استعمال العامية في الأدب العربي الآن مقصور على الأغاني، وعلى المسرح، وعلى الحوار القصصي. أما فيما عدا هذا فليس ثمة شيء يستحق الإشارة إليه، ومنه كتاب (مذكرات طالب بعثة) الذي ألفه "لويس عوض" في بريطانيا أيام أن كان يدرس هناك للحصول على درجة الدكتورية في الأدب الإنجليزي، وذلك رغبة منه في كسر رقبة البلاغة العربية -كما كان يقول- وهي غاية مريبة لا يترتب عليها إلا تفتيت العرب لغويًّا، مثلما تم تفتيتهم سياسيًّا؛ فلا يكون ثم
تفاهم بين بعضهم وبعض. كما تقوم بينهم وبين تراثهم وكتابهم الكريم حينئذ حواجز كؤود لا يسهل اختراقها ولا القفز فوقها إلا لقلة قليلة، وللعِلم؛ فإنّ العامية التي كتب بها "لويس عوض" كتابه ذاك هي عامية مصطنعة، غير التي نتحدث بها أو نعرفها، بل إنّها لأبعد عن تمثيل عقل صاحبها ونفسه من اللغة الفصحى التي يفتري عليها افتراءات، ويحسب أنه قادر على القضاء عليها.
وقد نُسي هذا الكتاب الثقيل الظل الآن، وأصبح في خبر كان، ورجع صاحبه من يومه إلى الفصحى في كل ما يكتب، وإن وضع كتابًا في أوائل الثمانينات يحاول فيه التشكيك في قدم اللغة العربية وأصالتها. وأقام توفيق الحكيم في ميدان التأليف المسرحي بمحاولة البحث عن أسلوب وسط بين العامية والفصحى، يُمكن أن يقرأ بهذه أو بتلك حسبما يريد القارئ، إذ قَرّب الأسلوب العامي على قدر المستطاع من مستوى الفصحى، نطقًا وتركيبًا، وكتب به مسرحيته "الصفقة" بحيث إذا أحب القارئ أن يقرأها بالعامية؛ فما عليه إلا أن يقلب القاف همزة، أو جيمًا قاهرية، والذال زالًا ويترك الإعراب، أما إذا تعامل معها على أنها من الأدب الفصيح؛ فليقرأها كما هي مكتوبة. وقد ذكر المؤلف في الخاتمة أنه إنما فعل ذلك للتقريب بين طبقات الشعب الواحد، وكذلك بين الشعوب العربية المُختلفة من خلال توحيده لأداة التفاهم بينها، قَدر الإمْكَان، لكن فاته أنّ العامية التي استخدمها في "الصفقة" وأراد التّقريب بينها وبين الفصحى إنّما هي إحدى العاميات المصرية التي لا أظن أحدًا من الكتاب المسرحيين العرب خارج مصر يستطيع استخدامها، أي أنه سيكون لدينا تجارب من هذا النوع بعدد الشعوب العربية على الأقل.
أيًّا ما يكن الأمر؛ فالذي يُهِمُّنا هنا هو: أنّ هَذا العمل المسرحي قد كُتب بلغة لم يسبق للعرب أن فكروا في استخدامها، في أي من إبداعاتهم الأدبية على كثرتها
الكاثرة، وتنوعها الهائل. ومبلغ علمي أن أحدًا آخر من كتاب المسرح لم يحاول أن يتابع هذه التجربة الحكيمية. ومن مظاهر التطور في أدبنا الحديث أيضًا: استخدام بعض الأدباء العرب للغات الأجنبية في إبداعهم الأدبي حصريًّا، أو بجانب لغتهم العربية، وهُناك عدة أسباب لذلك؛ فمثلًا الكتاب الجزائريون الذين أنتجوا أدبهم باللغة الفرنسية كمحمد الديب، وكاتب يس، ومولود فرعون، ومولود معمر، ومالك حداد، وإدريس الشرايبي، وآسيا جبار، إنما فعلوا ذلك لأن الفرنسيين فرضوا لغتهم فرضًا على الجزائر وعملوا على فرنستها. وكان ثمرة هذا الوضع: أنّ هؤلاء الكتاب الجزائريين وأمثالهم ممن تعلموا في ظل الاحتلال الفرنسي بلادهم، قد أتقنوا فيه لغة المحتلين، في الوقت الذي لم يحسنوا فيه تعلم لسانهم القومي والديني، أو لم يريدوا ذلك، كما أن لبعض الكتاب التونسيين أعمالًا بلغة الفرنسيس مثل: ألبيرمني، والهاشمي البكوش، وكلود بنعادي، ومحمود أصلان، ومصطفى الكعبي، وصالح القرمادي، وكذلك الحال بالنسبة إلى فريق من الكتاب المغاربة، كعبد اللطيف الكعبي، وطارق بن جلون، وعبد الكبير الخطيبي، تأثرًا منهم بالاحتلال الفرنسي بلادهم.
أما مؤلفات جبران ونعيمة مثلًا بالإنجليزية فقد ألفت في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثَمّ استُخدمتْ فيها لغة البلاد التي كانوا يقطنونها، وأصدروا مؤلفاتهم كي تقرأ هناك، وتُشبه هذه الحالة حالة المصريين الذين غادروا أرض الكنانة إلى فرنسا، وأضحوا جزءًا من نسيج المجتمع الفرنسي، مثل: جوس منصور، وأندري شديد، كما تشبه حالة إدوار عطية اللبناني الذي كتب ترجمته
الذاتية بالإنجليزية، إذ كان قد تجنس بالجنسية البريطانية، وأصبح يعيش في جزيرة "جان بول". وكذلك أهداف سويف المصري التي صدرت لها بآخرة بعض الأعمال القصصية الإنجليزية، بعد أن تركت مصر وتزوجت من رجل إنجليزيٍ تعيش معه في بلاده، بل إنّ أديبًا كإبراهيم العريضي البحريني، الذي لا يدخل تحت أي بند من هذين له مسرحية بالإنجليزية عن "ويليم تل".
ويتصل بهذا -نوع اتصال- ما درج عليه كثير من الناثرين العرب في العصر الحديث، من تطعيم كتاباتهم ببعض الألفاظ أو التعبيرات الأوروبية؛ لتوضيح ما يقولون أو تأكيده، أو لمجرد الاستعراض، وهم في هذا يكتبونه بالحروف العربية، وقد يسوقونه كما هو في أصل لغته بالحرف اللاتيني. ويتصل بهذا كذلك ظاهرة وجود أدب عربي مكتوب باللغة العربية خارج ديار العرب، أقصد بالأدب المهجري في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أمريكا الجنوبية، وهو الأدب الذي أنتج لنا جماعتين أدبيتين مشهورتين هما الرابطة القلمية في أمريكا الشمالية، والعصبة الأندلسية في براثين أمريكا اللاتينية، وأخرج طائفة من أعلام النثر الحديث أمثال: الريحاني، ونعيم، وجبران، وشفيق المعلوف، ورشيد الخوري.
ولهذا الأدب سماته التي تميزه عن غيره من الآداب داخل الخيمة الكبيرة للأدب العربي الحديث، مما تَناوله الدارسون في بحوثهم وكتبهم، مثل: البُعد عن فخامة الأسلوب وجزالته، وهَجْر التّعبيرَات القديمة، واختراع كثير من الصور المجنحة، والهيام بالطبيعة، والدعوة بقوة إلى الحرية، وصنيعهم لمحة أسلوبية في كتاباتهم، وكثرة صفحات الشعر المنثور في إبداعاتهم. وظاهرة الأدب المهجري هي بلا شك ظاهرة جديدة لا عهد للأدب العربي القديم بما يشبهها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sitealgerie.yoo7.com/
أناقتي
عضو متالق
عضو متالق
أناقتي

الجنس انثى
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 14/10/1979
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 1343
السٌّمعَة السٌّمعَة : 4
الإنتساب الإنتساب : 22/12/2011
sms : Healthy Recipes,Cookbooks: Recipes, Cookbooks, and Culinary Adventures

التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن    التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن  Empty26/3/2014, 5:55 pm

شگرآً لگـ
على طرح ــگـ دئمآً متميز .. من آلأفضـل للأفضل
أح ـترآمى وتقديرى لگـ
تقپل مرورى آلپسيط فى چ ــمآل موضوعگـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» المنهج المقارن
» الخصائص الأسلوبية في ديوان "في القدس" للشاعر تميم البرغوثي
» تحميل كتاب تاريخ الآداب العربية
» الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية
» الموجه في تحليل النصوص الأدبية الثالثة ثانوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نجم الجزائر :: القسم الدراسي والتعليمي :: منتدى اللغات :: تعليم اللغة العربية-