تعليم ، دروس ، تمارين ، حلول ، كتب ، أكواد ، طبخ ، أخبار ، توظيف
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
style

شاطر
 

 الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
نجم الجزائر
المدير العام
المدير العام
نجم الجزائر

البلد : الجزائر
الجنس ذكر
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 12/01/1994
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 10301
السٌّمعَة السٌّمعَة : 569
الإنتساب الإنتساب : 15/08/2011

الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية Empty
مُساهمةموضوع: الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية   الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية Empty11/11/2013, 5:25 pm

الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية
الأدب المقارن



الدرس: 14 الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية.

(الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية)

الصياغة الفنية للموشحات والأزجال
فنقول: الموشحات والأزجال: جنسان شعريان اشتهرت بهما الأندلس، وكانا يدوران في كثير من نماذجهما حول الغزل، كما كانا يخرجان على نظام العروض والقافية التقليدي، الذي يجري على وتيرة واحدة وزنًا وقافية من أول القصيدة إلى نهايتها حسبما هو معروف.
ويتركب كل موشح من وحدتين تتكرران عددًا من المرات، وحدة يبدأ بها الموشح في العادة، وتسمى قُفلا، فإذا لم يبدأ بها وبدأ توًّا بالوحدة التالية سُمِّي الموشح أقرع، وهذه الوحدة الثانية تسمى غصنًا، ويتكون الموشح النموذجي في العادة من ستة أقفال، تَحْصر بينها خمسة أغصان، ولكنّ المُوشح غير ملزم بذلك إن شاء أن يزيد، وإن شاء أن ينقص. واجتماع القفل والغصن التالي له يُسمى دورًا، وبعضهم يسميه بيتًا؛ فالموشح النموذجي على هذا الأساس يتكون من خمسة أدوار أو أبيات، وقفل ختامي يدعونه الخرجة، ولكن الأقرع يشذ عن ذلك لأن أحد أقفاله ساقط. وللوَشَّاح أن يجعل عدد أجزاء القفل أو أجزاء الغصن حسبما يُريد، وأهم ظاهرة في التوشيح من حيث النغمة قيام القفل أحيانًا على وزن، وقيام الغصن على وزن آخر؛ فتسير الموشحة في وزنين، والغالب أن يتفق القفل والغصن في الإيقاع العام. وقد يختار الوشاح وزنًا مباشرًا من أوزان القصيد فينسج عليه موشحته مثل:
أيها الساقي إليك المشتكى ... قد دعوناك وإن لم تسمع

وهذا ما يسميه ابن سناء المُلك الموشح الشعري. وقد يستخرجُ الوشاح وزنًا جديدًا ينظم عليه موشحته. أما الأزجال؛ فيقول الدكتور محمد غنيمي هلال: "إنّها قد ازدهرت في الأندلس، واصطنعت اللهجة العامية أسلوبًا لها، وهذه اللهجة العامية مزيج من العامية العربية، وبَعض الألفاظ الإسبانية المأخوذة من لغة السكان المحليين"، وهو يُرجح أن الأزجال نشأت أول ما نشأت في أواخر القرن الرابع الهجري، رغم أنه لم يبلغنا منها شيء ذو قيمة قبل القرن السادس. ويضيف قائلًا: "إنّ بنية الزجل هي هي بنية الموشحة إلا أن الخرجة فيه أعجمية لا عربية".
وقد حاول المستشرق الأسباني "خوليان ريبيرا" وتبعه على ذلك بعض المستشرقين مثل: "جوميس" و"بيدان" وكذلك بعض المؤلفين العرب مثل الدكتور عبد العزيز الأهواني، والدكتور مصطفى عوض الكريم، وبطرس البستاني أنْ يُفَسّر السببَ في ظهور الموشحات في الأندلس؛ فأرجعها إلى أن أهل تلك البلاد كانوا في حياتهم اليومية يتكلمون العامية الأعجمية "الرومانس" في الوقت الذي كانوا يخصصون العربية الفصحى للأمور الرسمية، ومن ثم نشأ بينهم طراز شعري جديد يقوم على المزاوجة بين العربية الفصحى، والعامية الأعجمية. وهو الشكل الذي أثار استياء العلماء المحافظين، فكان من جراء ذلك أن أخذ الناس جميعًا -حسب عبارته- يتناقلونه سرًّا فيما بينهم، وذاع أمره داخل البيوت، وفي أوساط العوام؛ وما زال يعظم حتى أصبح في يوم من الأيام لونًا من الأدب. وقد ذكر "بلنثية" هذا الكلام في كتابه عن تاريخ الفكر الأندلسي الذي ترجمه الدكتور حسين مؤنس، وانظر كذلك في هذا الموضوع الدكتور عمر فروخ في كتابه (تاريخ الأدب العربي) في المجلد الرابع منه.

وهذه نظرية خاطئة: إذ تفترضُ أنّ أهْلَ الأنْدَلُس كانوا يَتحَدّثون بالعامية الأعجمية، وهو ما لم يَحْدُث ولا قال به أحد، وكيف يمكن أن يقوله أي أحد، بل كيف يمكن أن يخطر شيء من هذا بباله، ولم يحدث يومًا أن اتخذ العرب لغة أهل البلاد التي فتحوها وهم في قوتهم، لقد كان العرب أعز من ذلك بآماد لا تتصور. ثم كيف يكون الناس جميعًا يتناقلون هذا الشكل الشعري سرًّا فيما بينهم؟ إنّ السر معناه أن ينفرد به بَعضُ النّاس دون بعض، أما أن يكون سر بين الناس جميعًا؛ فلا أدري كيف يكون. كذلك فإن الموشحة لم تكن تُنظم بالعامّية الأعجمية، بل كُلّ ما هنالك أن خرجات بعض الموشحات من بين المئات، البعض فقط كانت تكتب بالعامية، وبعض هذه الخرجات المكتوبة بالعامية كان يكتب بالعامية الأعجمية، علمًا بأن الخرجة لا تمثل إلا جزءًا صغيرًا جدًّا من الموشحة، وأنّ ذَلك النّوع من الخرجات لم يكن يكتب جميعه بالعامية، ولا بالعامية الأعجمية، إذ قد يقتصر هذا على كلمة أو كلمتين فحسب.
وفضلًا عن ذلك؛ فإن الأزجال -وهي فن شعري ينظم بالعامية كاملًا- إنما كانت تنظم بالعامية العربية، لا الأعجمية كما يعرف ذلك كل أحد، ولو كانت عامية أهل الأندلس هي الأعجمية لنظمت الأزجال على الأقل بتلك العامية، لا بالعامية العربية التي يفترض حسب تلك النظرية أنها لم تكن تستعمل هناك، ثم إنه لم يحدث أن أحدًا من العرب القدماء -ممن كتب عن ذلك الطراز من النظم- سواء كان من أهل الأندلس أو من غيرهم، قد أشار ولو مجرد إشارة إلى شيء من هذا الذي قاله "ريبيرا". أما لو كان هناك من الأندلسيين غير المسلمين من كتب شيئًا من هذا الذي يقوله "ريبيرا" فليرينا إياه.

وقد تعرض العقاد -رحمه الله- إلى موضوع تأثير الموشحات والأزجال على الشعر الغربي، فذكر ما قاله "دانتي" من أنّ نظم الشعر بالعامية قد شاع في إقليم "بروفانس" حيثُ يلتقي الأمم اللاتينية في الجنوب، فانتشر من ذلك الإقليم أولئك الشعراء الجوالون، الذين عرفوا باسم "التروبادور" المأخوذة من طرب أو طروب في رأي بعض المستشرقين.
والذي يقال: إن اسم "تِنْزُون" الذي يُطلق على شعرهم مأخوذ من كلمة تنازع؛ لأنهم كانوا يلقون الشعر سجالًا يتنازعون فيه المفاخر والدعاوى، بالإضافة إلى ما لوحظ من شبه شديد بين أوزان هذا الشعر، وأوزان الزجل الأندلسي، وما وُجِدَ في أشعار الأوربيين بشمال الأندلس من كلمات عَربية، وإشارات إلى بعض العادات الإسلامية، كتخميس الغنائم، واختصاص الأمير بالخمس منها. كذلك لمس محمد مفيد الشوباشي في كتيبه (العرب والحضارة الأوربية) هذا الموضوع، فأشار إلى أن من درسوا الأدب الأوربي وتطوره قبيل العصر الحديث، يلاحظون أن الشعراء "التروبادور" هم الذين أحدثوا أكبر أثر فيه، فتبدلت حالهم كل التبدل، وعرف السبيل القويم على حد تعبيره.
لقد كانت أشعار هؤلاء الشعراء الجوالين الذين ظهروا في أسبانيا، خلال القرن العاشر الميلادي -على ما يبدو- لونًا من الزجل العربي تطور ودخلت عليه كلمات أسبانية، إلا أنه لم يفقد خصائص الشعر الأندلسي حسبما يقرر الشوباشي، الذي يستند في كلامه هذا إلى ما كتبه بعض من تطرق إلى ذلك الموضوع من الكتاب الأوروبيين كـ"إيميل هنري" و "بريفو بريبري" والذي يؤكد أن تأثير الشعراء "التروبادور"، قد انتقل بعد هذا إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، وإن لم يدخل في تفصيلات القضية، اللهم إلا في رده على بعض من ينكر من الأوربيين ما تدين به أشعارهم قبل عصر النهضة إلى الشعر العربي في الأندلس.

وفي كتابه (الأدب المقارن) يوضح الدكتور محمد غنيمي هلال موضوع تأثر شعراء "التروبادور" بالموشحات والأزجال، سواء في مضمون قصائدهم أو في نظامها الموسيقي قائلًا: "إنّ شُعراء "التُّروبادور" كانوا يعيشون في بلاط الملوك والأمراء، ويتَغَنَّون بالحُبّ على نحو يذل فيه المحب لمحبوبته، ولا يَجِدُ في ذلك ما ينال من عزة نفسه، وإنه لوحظ أنهم يبنون قصائدهم في المتوسط من سبع مقطوعات كما يفعل الوشاحون، وهو العدد الغالب على الموشحة.
كذلك نجد في تلك القصائد ما يقابل المطلع والغصن والقفل في الموشحات، كما أن المصطلح الذي يطلق على مجموع الغصن والقفل معًا هو "البيت" بالضبط مثلما هو الحال في تلك الموشحات والأزجال، ثُم إن نظام القافية في شعر الشعراء "التروبادور" يسير على نفس المنوال، الذي تسير عليه القافية في ذينك الفنين. وبالمثل يقابلنا في غزلهم شخصية الرقيب والواشي، والعاذل والحاسد والجار، وكذلك الرسول الذي يستخدمه في مهمته خاتمًا كما في الموشحات والأزجال، فضلًا عن استعمال ضمير المذكر للحبيبة في كثير من الأحيان، وإخفاء اسم المحبوب، والتكنية عنه بسيدي، أو مولاي أو منيتي وما أشبه، كما يُقابلنا في شعر "التروبادور" معان تنتشر في الموشحات والأزجال، مثل: الحب الذي ينشأ من أول نظرة، والشكوى من قسوة الحبيبة، وشعور المحب بآلام الجوى التي تمنعه الرقاد، وتسبب له السقام والهزال، وكذلك خضوع المحب لحبيبته خضوعا تامًّا.
وفوق ذلك، فقد استحال الغَزَلُ في الموشحات والأزجال غزلًا صوفيًّا؛ فتحول من الحب الإنساني إلى الحب الإلهي على يد الشاعر والزجال الأندلسي الششتري وهو من رجال القرن السابع الهجري، وكان للششتري تأثير كبير على معاصره الإسباني "ريمون لول" الذي كان يعرف العربية معرفة جيدة، والذي نظم كثيرًا من المناجيات الغرامية الرمزية تغنيًا بالجمال الإلهي".

ويستمر الدكتور هلال في ذكر تأثير الموشحات والأزجال على الشعر الأوربي في ذلك الوقت؛ فيقول: "إنّ الشواهد التاريخية على التأثير الموسيقي العربي على تلك الأشعار كثيرة"، ومن تلك الشواهد التي أوردها: مجموعة الأشعار المقدسة التي نظمها "ألفونس" العاشر في تمجيد العذراء، وعددها أربعمائة واثنتان منها على الأقل ثلاثمائة وخمس وثلاثون، مبنية من ثلاثة أبيات على قافية واحدة، يليها بيتٌ تتكرر قافيته وهي تقابل القفل، ثم يأتي بيتان يُقابلان المركز، وهما بمثابة المطلع في العربية، وإن جاء عقب المقطوعة الأولى.
هذا؛ وقد اشتهر "دانتى" و"بتلارك" الشاعران الإيطاليان المعروفان بلون من الشعر الغنائي تأثرا فيه بشعراء "التروبادور" واسمه "سينتوا" أو "سونيت" وهو مكون في الغالب من أربعة عشر بيتًا مُقَسّمة أربعة أقسام، اثنان منها رباعيان والآخران ثلاثيان، ومَطلع كُلّ من القسمين الأولين ذو قافية واحدة، وهو يُقابل المطلع والمركز في الموشحات، وفي شعر "التروبادور". كما أنّ القسمين الأولين ينتهيان كذلك ببيت متفق أيضًا مع المطلع في القافية، وهو ما يُقابل القُفل، وأما القسمان الثلاثيان الآخران؛ فإن المطلع في كل منهما يتفق في القافية، إلا أن البيت الثاني من الثلاثية الأولى يتفق مع الثالث من الثلاثية الثانية، مثلما يتفق الثالث من الأولى مع الثاني من الثانية.
ويستمر الدكتور هلال راصدًا ما اعترى شكل "السونيت" الإيطالي من تطور فيقول: "إنه أصبح يتألف من مجموعات سداسية، كل مجموعة لها من بيتيها الثالث والسادس، ما يُشبه القُفل من موشحات، إذ هما متفقان في القافية، كما أن موضوع "السونيتات" قد ظل هو الحب، إما الحب الطاهر الشديد القسوة الدائم الأثر كما في أغاني هذين الشاعرين الإيطاليين، وإما الحب اللاهي الذي

يغتنم المسرات المتاحة، كما في أشعار "الرونسار" الفرنسي. وإنّ هذا اللون من النظم قد انتشر في الشعر الأوربي كله على أثر ظهوره في إيطاليا". ويخلص من هذا كله بأنه دليل جد قوي على ما خلفته الأشعار الأندلسية على شعر "التروبادور" من آثار.
وفي كتابه (دور العرب في تكوين الفكر الأوربي) يبرز الدكتور عبد الرحمن بدوي دور الموشحات والأزجال الأندلسية في نشأة الشعر الأوروبي، مُشيرًا إلى أنّ أوّل من قال بهذه النظرية هو "خليان ريبيرا" المستشرق الإسباني الذي عكف على دراسة موسيقى الأغاني الإسبانية، ودواوين الشعراء "التروبادور" و"التروفير"، وهما الشعراء الجوالة في العصر الوسيط في أوروبا، و"الميني سنجر" وهم شعراء الغرام، فانتهى من دراساته إلى أن الموشح والزجل هما المفتاح العجيب الذي يكشف لنا عن سر تكوين القوالب، التي صبت فيها الطرز الشعرية التي ظهرت في العالم المتحضر إبان العصر الوسيط. وأثبت انتقال بحور الشعر الأندلسي فضلًا عن الموسيقى العربية إلى أوروبا، عن نفس الطريق الذي انتقل به الكثير من علوم القدماء وفنونهم، من بلاد الإغريق إلى روما، ومن روما إلى بيزنطة، ومن هذه إلى فارس وبغداد والأندلس، ومن ثَمّ إلى بقية أوروبا.
وكنت أود لو أضاف الدكتور بدوي إلى ذلك أنّ كتابًا آخرين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا مثل: "نيكل"، و"فون سيلفستر"، و"فيوري"، و"فرانس إجلي" يعضدون هذه النظرية كما جاء في كتاب (تاريخ الأدب العربي) في المجلد الرابع منه: للأستاذ الدكتور عمر فروخ.

ويمضي الدكتور عبد الرحمن بدوي فيوضح كيف استخدم الشعراء "التروبادور البروفانساليون" الأوائل أقدم قوالب الزجل الأندلسي. كما يظهر في شِعر أول شاعر "تروبادور بروفنساري" وهو "جيوم التاسع" "دوقو أكيتانيا" الذي يُعَدّ أولَ شاعر في اللغات الأوروبية الحديثة، والذي بقي من شعره إحدى عشرة قصيدة، من بينها خمس كتبت بعد سنة ألف ومائة واثنتين للميلاد، وتتألف كل منها من فقرات تشبه في قالبها فقرات الزجل، من حيث تأليفها من ثلاثة أشطار متحدة القافية، يتلوها أشطارٌ من قافية واحدة في كل الفقرات.
كما نجد هذا النمط من النظم أيضًا عند شاعرين "تروبادوريين" قديمين آخرين هما: "ثرماكون" و"ماركابرو" اللذان عاشا في النصف الأول من القرن الثاني عشر، ثم انتشر هذا النمط من النظم في الشعر الشعبي في أوروبا، وفي الشعر الديني الذي ألفه الأدباء "الفرانسيسكان" في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وفي أغاني "الكرنفالات" في "فيرنيتسا" في القرن الخامس عشر. ويَسْتمِرُّ الدكتور بدوي قائلًا: "إنّ الشُّعراء المتعلمين في إسبانيا نفسها قد ظلوا يستخدمون أنماط النظم على طريقة الأزجال العربية، ومنهم: "ألفونس" الحكيم في القرن الثالث عشر، ورئيس القساوسة في "هيتا" في القرن الرابع عشر و"فياسيندينو" و"خوانتلالفينا" في القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر. ولم يقتصر الأمر على طريقة النظم بل امتد التأثير العربي في نشأة الشعر الأوربي أيضًا إلى طريقة علاج الموضوعات؛ ففكرة الحب النبيل التي تسود الغزل في الشعر "البروفينسالي" نجد أصلها في الشعر الأندلسي وكذلك في أزجال ابن قزمان، كما يؤكد هذا "بلنديف بيدال" أشد الباحثين حماسة في توكيد تأثير الموشح والزجل في نشأة الشعر الأوربي في نهاية العصر الوسيط.

وإذًا فلا يقتصرُ التأثير على بعض الموضوعات، مثل: المُغَامرات الغرامية الشائكة أو الفاضحة، والإهداء إلى حام، وافتخار الشاعر بنفسه كما اقتصر على ذلك "ألفريد جانوا" في كلامه عن تأثير الشعر الأندلسي العربي في شعر الشعراء "التروبادور" الأوائل، بل امتد في نظر "بيدال" إلى جوهر هذا الشعر "التروبادوري" وهو فكرته في الحب النبيل. إذ يرى "بيدال" أنّ هَذه الفكرة قد عرضها ابن حزم في (طوق الحمامة) وأنها كانت فكرة سائدة عند أهل الظاهر في نظرتهم إلى الحُب، فقد كانت موجودة قبل ذلك في كتاب (الزهرة) لابن داود الظاهري صاحب الدعوة إلى الحب العذري، المتوفى سنة مائتين وسبع وتسعين للهجرة، وكذلك نجد هذه الفكرة في الشعر الحَكمي الأول المتوفى سنة اثنتين وست. وفي شعر ابن زيدون الذي يقول مثلًا في وَلَّادة:
تِه أَحتَمِل وَاِستَطِل أَصبر وَعِزَّ أَهُن ... وَوَلِّ أُقبِل وَقُل أَسمَع وَمُر أَطِعِ"
وممن تناول هذه القضية أيضًا: دكتور عبد النبي سطيف الذي يوضح بدوره في كتابه (الموشحات الأندلسية وأثرها في الشعر الغنائي العربي) كيف كان شعراء "التروبادور" الذين ينتمون إلى إقليم "البروفانس" في جنوب فرنسا صلة الوصل بين الشعر الغنائي الأوروبي، والشعر العربي الأندلسي، ولا سيما موشحاته وأزجاله، وكان "جيوم التاسع" أول من عرف من شعراء "التروبادور" الذين تأكدت صلتهم بالموشحات الأندلسية، وتُعَدّ حياته مفتاح البحث عن الصلة العربية الأوروبية في ميدان الشعر الغنائي. وقد اتصلت حياة أول الشعراء "التروبادور" بالحضارة الإسلامية اتصالًا مباشرًا في جنوبي فرنسا، وفي أسبانيا، وفي المشرق العربي، وكان صوتًا معبرا عن واقع مجتمعه في عصره، ومنفتحًا على الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، وقد

بقي من شعر "جيوم" إحدى عشرة قصيدة تعكس جميعها تأثره بالموشحات الأندلسية، في العناصر الأساسية المكونة لشعره، وهي اللغة والشكل والمضمون وأسلوب التعبير.
ومن شعره مترجمًا: "كل فرحة تهون أمام هذه الفرحة الكبرى، وكل نبالة تتخلى عن مكانها لسيدة بما امتازت به من ظرف ولطافة ونظرة بهيجة، وسيعيش مائة عام ذلك الرجل الذي يحالفه الحظ؛ فيفور بفرحة حبها، إنّ فرحة حُبّها تشفي السقيم، والغَضَبُ منها يميتُ السّليم، إنّ نُفوذ حُبّها قد يؤدي بالعاقل إلى الحمق، وبالوسيم إلى ضياع وسامته، وبالمتأدب اللطيف إلى الفظاظة والقبح، كما أنه قد يهذب طباع الفظ من الرجال، وإذا تفضل سيدي ومنحني حبه؛ فإنني مستعد لقبوله اعترافًا بفضله، وأن أكون كتومًا للسر وملاطفًا ظريفًا، أقول وأفعل ما يريد، حتى أستحق رضاه وأنال منه الثناء".
ومن الشعراء "التروبادور" أيضًا: "جفري روديل" وكان عميد منشدي الغزل الروحي العفيف، المعبر عن العشق المثالي للمرأة، وتُعبر قصائده الغنائية عن تجربة حبه الفريدة، التي خلفت أثرًا بالغًا في الأدب الرومانسي في فرنسا وإيطاليا وانجلترا، وغيرها. وأصبح منهجه في الحب منارة لكل الشعراء، إذ غدا شعره ومنهجه في الحب مثالًا يحتذى للتعبير عن التعلق اليائس بالحبيب البعيد، وكانت أغنيته الخامسة "أغنية الحب البعيد"، كفيلة بتوضيح بعض قسمات هذا الحب الفريد، والغريب في آن معًا على الحساسية الأوروبية.
"عندما تطول الأيام في شهر أيار، تعجبني أغاني العصافير المغردة من بعيد، وحينما أنتهي من سماعها أتذكر حبًّا بعيدًا، فأمشي مطرق الرأس في تأمل، غير مهتم بالغناء ولا بأزهار البيوت، فهي لا تفضل في نظري ثلوج الشتاء".

ويقول أيضًا: "لن أسعد بأي حب غير هذا الحُبّ البعيد؛ لأنه لا توجد امرأة تضاهي محبوبتي في أي مكان قريب أو بعيد، لقد بلغت من سمو الحسن والنسب والصفاء، ما يَجْعَلُني أتمنى أن أكون أسيرًا عند المسلمين؛ لأحس بسعادة الاقتراب منها". كما عكست قصائد "روديل" نظام القوافي المقبوسة من الموشحات العربية الأندلسية فضلًا عن مذهب الغزل العذري العربي، والبعد في أساليب التعبير عن التعقيد في اللفظ، والتركيب والتكرار المستساغ.
كذلك يذكر الدكتور سطيف الشاعر "ماركبرو" الذي كان واحدًا من أنجب تلاميذ "جيوم التاسع". لقد عاش هذا الشاعر بين فرنسا وأسبانيا في قصر الأمير "جيوم العاشر" وترك أربعًا وأربعين قصيدة مختلفة الأشكال، متنوعة الأغراض، وإن غلب الهجاءُ عليها، وكانَت حَياتُه حَياة لهوٍ وعبث، ومع هذا خَصّصَ بعضًا من إبداعه الشعري لهجاء اللهو والفجور، ويعكسُ شعر ذلك الشاعر جوانب مختلفة من التأثير العربي الإسلامي في شعره في الشكل والأسلوب والمضمون في آن معًا، وبخاصة ترتيب الأغصان والأقفال وتوزيع القوافي. وكان "ماركابرو" متأثرًا بالشعر الغزلي عند ابن أبي ربيعة، ولنستمع من شعره لهذه السطور من قصيدته الزرزور تلك التي يقول فيها: "طر أيها الزرزور محلقًا، واغد في الصباح مبكرًا، توجه نحو بلد تلتقي فيه محبوبة لي، هناك تجدها وتراها، ومهمتك هي أن تقول لها مستفسرًا في نفس الوقت: لماذا خانت عهدها؟ ".
ويمضي الدارس مبينًا كيف كانت الرياح العربية الإسلامية تهب على شبه الجزيرة الإيطالية من الشمال والجنوب معًا، من التأثير التروبادوري أولًا، ومن صقلية حيث النفوذ النورماندي، وأن ثمت ما يشبه الإجماع بين دارسي "دانتي" على أنه

استمد أصول فنّه من مصادر عديدة، كان من أبرزها الشعر "التروبادوري" إذ كان يعرف لغة مبدعيه معرفة ممتازة ساعدته على تذوق شعره. كذلك كانت المرأة "البروفانسالية" المثقفة كما يقول "بريفو" مثل المرأة العربية بعامة، تلهم مشاعر الشعراء، وتثير بطولة الفرسان وتأسر العظماء بأدبها وجمالها، وتقول الشعر ويحتكم إليها مبدعوه، وتسير بذكرها الرُّكبان فيتمناها كل من أحس في نفسه نخوة الرجولة، وقد أسهمت المرأة "البروفانسالية" إسهامًا قويًّا في نشر تقاليد "التروبادرور" المستلهمة من الشعر العربي الأندلسي في أنحاء أوروبا، بين أمثال الأميرة "أرينور" حفيدة "جيوم التاسع التولوزي" والأميرة "كونستانس" بنت ملك "أراجون" الفرنسي الثاني.
أما الأميرة "إلينور" فكانت وراء قدوم العديد من الشعراء "التروبادور البروفانسانين" إلى إنجلترا، وبالتالي وراء التأثير الإسلامي في الشعر الإنجليزي في العصور الوسطى، وفتحت قصرها ملتقى للأدباء والشعراء والفنانين القادمين من الجنوب، يحملون معهم عبق "البروفانس"، وأما الأميرة "كونستانس" فقد كانت وراء انتشار فن "التروبادور" في أوروبا الشرقية. ولم يقتصر تأثير الشعر العربي الأندلسي على الشعراء "التروبادور" بل شمل الشعر الأوروبي الحديث كما يؤكد الباحث، وتم ذلك على يد "عزرا باوند" الشاعر المعروف الذي تسربت عناصر من الثقافة العربية الإسلامية إلى شعره، مؤثرًا بدوره في الشعر العربي الحديث؛ لتكمُلَ بذلك دورة التأثير التي بدأت بشعر الموشحات والأزجال في الأندلس، وانتقلت إلى الشعراء "التروبادور" في مختلف أنحاء القارة الأوروبية، ثم إلى "دانتي" و"شوناتاته" لتصل إلى شيخ شعراء العصر الحديث وحوارييه في الوطن العربي وفي خارجه.

ورغم كل ما تقدم وهو أيضًا منفرد فإن محرر مادة الموشحة من دائرة المعارف الاسلامية "سيكلوبيديا الإسلام" في طبعتها الجديدة يتجاهل جميع ما سيق في قضية تأثير شعر الموشحات على الشعر الأوروبي الحديث، من حيثيات وبينات وشواهد وتفصيلات، ولا يلتفت إلى الموضوع إلا في الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة، وعَلى نحو جد موجز، وكل ما قاله: أنّ أقدم الشعراء "التروبادور" وهو "ويليم الأكويتي" الذي ازدهر شعره في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، أيام الوشاحين اليهود قد استعمل نظامًا موسيقيًّا يشبه نظام الموشحات، وأن هذا هو أهم عنصر فيما يسمى بالنظرية العربية، التي تعمل على تفسير عبقرية الشعر "البروفينسالي" جزئيًّا على الأقل من خلال التأثير العربي.
هذا عن الموشحات والأزجال في الدراسات المقارِنة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sitealgerie.yoo7.com/
أناقتي
عضو متالق
عضو متالق
أناقتي

الجنس انثى
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 14/10/1979
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 1343
السٌّمعَة السٌّمعَة : 4
الإنتساب الإنتساب : 22/12/2011
sms : Healthy Recipes,Cookbooks: Recipes, Cookbooks, and Culinary Adventures

الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية   الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية Empty26/3/2014, 5:56 pm

شگرآً لگـ
على طرح ــگـ دئمآً متميز .. من آلأفضـل للأفضل
أح ـترآمى وتقديرى لگـ
تقپل مرورى آلپسيط فى چ ــمآل موضوعگـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» التربية الفنية التشكيلية سنة ثانية متوسطإختبارات التربية الفنية التشكيلية
» التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارن
» الموجه في تحليل النصوص الأدبية الثالثة ثانوي
» ظهور نتائج المراسلة الخاصة ببعض الولاية ومنها المسيلة التابعة لمركز الجلفة
»  مصطلحات ومفاهيم في التاريخ وجغرافيا للشعب الأدبية +العلمية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نجم الجزائر :: القسم الدراسي والتعليمي :: منتدى اللغات :: تعليم اللغة العربية-