تعليم ، دروس ، تمارين ، حلول ، كتب ، أكواد ، طبخ ، أخبار ، توظيف
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
style

شاطر
 

 اولئك الذين هدى الله

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
نجم الجزائر
المدير العام
المدير العام
نجم الجزائر

البلد : الجزائر
الجنس ذكر
تاريخ الميلاد تاريخ الميلاد : 12/01/1994
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 10301
السٌّمعَة السٌّمعَة : 569
الإنتساب الإنتساب : 15/08/2011

اولئك الذين هدى الله Empty
مُساهمةموضوع: اولئك الذين هدى الله   اولئك الذين هدى الله Empty21/7/2012, 2:33 am

اولئك الذين هدى الله T_199
اولئك الذين هدى الله

المقالة الأولى
(هؤلاء أحبوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)


قال
- تعالى -: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ
رَفِيقًا} [النساء: 69].


قال الإمام البغوي في تفسيره: "نزلت في
ثوبان مولى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان شديد الحب لرسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر
لونه، يعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((ما غيَّر لونك؟ فقال: يا رسول الله، ما بي مرض، ولا وجع، غير أني إذا لم
أرك استوحشت وحشة شديدة، حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف أني لا أراك؛
لأنك تُرفع مع النبيين، وإني إنْ دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن
لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية".


ومن نماذج
المحبين عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - كان يعمل في حديقة له، فأتاه ابنه
فأخبره أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد توفي، فقال: اللهم أذهبْ
بصري؛ حتى لا أرى بعد حبيبي محمد أحدًا، فكُفَّ بصره، واستجاب الله دعاءه.


وهذا
بلال الحبشي مؤذِّن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نشأ منذ إيمانه
على حبِّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى جاءه الموت، فسمع بعض
أهله يقول - وا كرباه - فإذا بلال قد فتح عينه مبتسمًا ثغره، قائلاً: وا
طرباه؛ غدًا نلقى الأحبَّة محمدًا وحزبه.


وكان عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - إذا ذكر عنده النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.


ومن
نماذج حب النساء له - صلَّى الله عليه وسلَّم - تلك المرأة الأنصارية؛
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:
58] التي قُتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أُحد مع رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - فقالت: ما فعل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ قالوا:
خيرًا هو بحمد الله، كما تحبين، فقالت أرونيه؛ حتى أنظر إليه، فلمَّا رأته،
قالت: كلُّ مصيبةٍ بعدك جَلل يا رسول الله.


حدّث عمرو بن العاص
يومًا، فقال: ما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله، ولا أجل في عيني منه،
وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛
لأني لم أكن أملأ عيني منه.


قال عروة بن مسعود حين وجهته قريش
إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم صلح الحديبية، ورأى من تعظيم
أصحاب رسول الله، ومحبتهم له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه،
وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقًا، ولا يتنخَّم نخامة إلا تلقوه
بأكفهم، فدلَّكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعره، إلا ابتدروها،
وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون
إليه النظر؛ تعظيمًا له.


وروي عن عبدالله بن مسعود - رضي الله
عنه - أنه إذا حدَّث، فقال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم علاه
كرب، وتحدَّر العَرَق من جبينه - رضي الله عنه وأرضاه.


بل إن
محبته - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقتضي محبة أصحابه - رضوان الله عليهم -
يقول عبدالله بن المبارك: خصلتان من كانتا فيه، نجا؛ الصدق وحب أصحاب محمد -
صلَّى الله عليه وسلَّم.


ويقول أيوب السختياني: من أحبَّ أبا
بكر، فقد أقام الدين، ومن أحبَّ عمر، فقد أوضح السبيل، ومن أحبَّ عثمان،
فقد استضاء بنور الله، ومن أحبَّ عليًّا، فقد أخذ بالعروة الوثْقى، ومن
أحسن الثناءَ على أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بَرِئَ من النفاق،
ومن انتقص أحدًا منهم، فهو مُبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح، وأخافُ ألا
يُرفع له عمل إلى السماء؛ حتى يحبَّهم جميعًا، ويكون قلبه سليمًا.


إن
محبة رسول الله هي المنزلة التي يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص
العاملون، وعليها يتفلى المحبون، ويروح نسيمها ويروح العابدون؛ فهي من قوت
القلوب، وغذاء الأرواح، وقُرَّة العيون.


ومحبة المصطفى
والاقتداء به حياة من حُرمها، فهو من جملة الأموات، ونور من فقده، فهو في
بحر الظلمات، فلا حياة للقلوب إلا بمحبة الله، ومحبة رسوله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - والاقتداء به.


ألا ترى المحبين قرت أعينهم
بحبيبهم، وسكنت نفوسهم إليه، واطمأنت قلوبهم به، واستأنسوا بقربه،
وتنعَّموا بمحبته، وصاروا أعزَّة في الدنيا، وسادة وفي الآخرة، يذوقون طعم
السعادة، وعلى العكس الذين تنكبُّوا الطريق، وابتعدوا عن الجادة، حياتهم
كلها هموم وغموم، وآلام وحسرات.


يقول العلاَّمة ابن القيم في
"زاد المعاد": "والمقصود أنه بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية
والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله -
سبحانه - علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته،
فلأتباعه الهدى والأمن، والفلاح والعزة، والكفاية واللذة، والولاية
والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفته الذلة والصغار، والخوف
والضلال، والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة".


فعلى كل من نصح
نفسه، وأحب نجاتها، وسعادتها أن يعرف من هدي المعصوم، وسيرته وحياته - ما
يخرج به عن الجاهلية، ويدخل به في عِداد أتباعه العارفين به، والناس في هذا
بين مستقل ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يُؤْتيه مَن يشاء، والله ذو
الفضل العظيم، أسأل الله أن يجعلنا من حزبه المخلصين، وأن يوردنا حوضه،
ويحشرنا في زُمْرته- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.


المقالةالثانية: (الصديق - رضي الله عنه - ومواقفه العظيمة).


قال الله - تعالى -: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة : 40].


عن
أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال:
نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو
أن أحدهم نظر إلى قدمه أبصرنا، فقال: يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله
ثالثهم[1].


هذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه وأرضاه - واسمه
عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، أول من استجاب
لدعوة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الرجال، فكان أول من صدقه،
وكيف لا يصدقه وما جرَّب عليه كذبًا؟ كيف لا يصدقه وهو يعلم أنه أهل
للرسالة وحمل الأمانة؟




قال - صلَّى الله عليه وسلَّم
-: ((ما دعوت أحدًا إلى الإسلام، إلا كانت منه عنده كبوة، ونظر وتردد، إلا
ما كان من أبي بكر ما عَكَمَ عنه[2] حين ذكرته له، وما تردد فيه[3].


جعل
الصديق - رضي الله عنه - ماله في سبيل الله، يقدمه لمن يرى أنه بحاجة إليه
من المسلمين، ويشتري من يسلم من الأرقاء، ثم يعتق من اشترى، وكان - رضي
الله عنه - رجلاً بكَّاءً، إذا قرأ القرآن استبكى.


وهو في موقفه
العظيم عندما أتى إليه المشركون ليخبروه أن رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - ذهب إلى بيت المقدس وصلى فيه ثم رجع، فكان ردُّه القوي: والله لئن
كان قاله لقد صدق، ولذلك سُمِّي الصديق.


وهذا يدل على رسوخ
الإيمان وقوة اليقين، وشجاعة بالحق، واستنارة بالفكر، واستعلاء بعقيدته،
وها هو يخرج مهاجرًا في صحبة حبيبه - صلَّى الله عليه وسلَّم - متحمِّلاً
عناء الطريق، حاملاً في هَمِّه ألا يصل لرسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - أذى، فسارا وانطلقا متوجهين إلى المدينة.


وكان الصديق -
رضي الله عنه - أثناء الهجرة يسير أمام رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - ليرد عنه خطر الطريق، فإذا تخيل الطالب من الوراء رجع وسار خلفه،
وهكذا طول الطريق خوفًا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحماية
له، ولما وصلا إلى المدينة استقبلهما الأنصار، ومن هاجر قبل الرسول - صلَّى
الله عليه وسلَّم.


ولقد آخى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
بين أبي بكر وعمر، فرآهما يومًا مقبلين، فقال: إن هذين لسيدا كهول أهل
الجنة من الأولين والآخرين؛ كهولهم وشبابهم، إلا النبيين والمرسلين[4].


لم
يشارك أبو بكر - رضي الله عنه - في أي من السرايا التي لم يخرج فيه رسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رغبة من رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - في إبقائه إلى جانبه وحبًّا من أبي بكر بالبقاء بالقرب من رسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسمع منه ويتأدب، ويتعلم ما يأتي به الوحي
لرسول الله، غير أنه كان ينطلق مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
في الغزوات التي يسير فيها.


بعد أن أظهر الله دينه وانتصر
المسلمون في بدر نصرًا مؤزرًا، وتتابعت الانتصارات - أراد رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يتوجه إلى مكة، فأبى عليه المشركون دخولها؛
حتى تم صلح الحديبية، والذي كرهه كثير من المسلمين، وعلى رأسهم عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - فوثب إلى أبي بكر، فقال له يا أبا بكر: أليس برسول
الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا مسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟
قال: بلى، قال: فعلامَ نعطي الدَّنيئة في ديننا؟ قال أبو بكر - رضي الله
عنه -: يا عمر، الْزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله.


وفي غزوة
تبوك دفع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رايته العُظْمى إلى أبي بكر
- رضي الله عنه - وكانت سوداء، وكان ذلك في شهر رجب من السنة التاسعة
للهجرة، ثم بعث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبا بكر - رضي الله
عنه - أميرًا على الحج في السنة التاسعة؛ ليقيم للمسلمين حِجَّهم والناس من
أهل الشرك على منازلهم من حجهم، فخرج أبو بكر - رضي الله عنه - ومن معه من
المسلمين، فأقام أبو بكر للناس الحج.



وهكذا عاش أبو بكر
راضيًا مرضيًّا في صحبة حبيبه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فالصديق أعظم
المسلمين بعد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو صاحبه، وصديقه،
وخليله، وخليفته، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن من أمنِّ
الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذت أبا
بكر إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر))[5].


وعن
عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
بعثَهُ على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أيُّ الناس أحب إليك؟ قال:
عائشة، فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب؛ فعد
رجال[6].


وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر:
أنا، قال: فمن تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أطعم منكم
مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال:مَن عاد منكم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا،
فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل
الجنة))[7].


وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم
غيره))[8].


ولما ثقل برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في
مرض موته أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فلما توفي رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - ارتدَّ كثير ممن أسلموا في عهد رسول الله - صلَّى الله عليه
وسلَّم - ووقف بعض الصحابة موقف غير المصدق، وأولهم عمر بن الخطاب، فكان
موقف أبي بكر - رضي الله عنه - شجاعًا، وضح فيه علمه واتزانه، فصعد المنبر
فقال: أيها الناس، إنه من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان
يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران : 144]، قال عمر -
رضي الله عنه -: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت؛ (أي دهشت)،
حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - قد مات[9].


وبعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - بايع المسلمون أبا بكر - رضي الله عنه - وأصبح خليفة المسلمين بعد
رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتولى - رضي الله عنها - الخلافة
مقتديًا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - متمسِّكًا بكتاب الله،
ملتزمًا بسنة نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورغم قِصَر مدة خلافته، إلا
أنها كانت مليئة بالأعمال والمواقف الجليلة، وفيها العِبر والحِكَم من
الأفعال التي قام بها التي جعلته أنموذجًا يقتدي به كلُّ حاكم عادل، وكل
سلطان قوي، وكل إمام يعمل لصالح أُمَّته وخير دينه، فرضي الله عن أبي بكر
الصديق، وعن الصحابة أجمعين، والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المقالة الثالثة. (فضائل عمر الفاروق - رضي الله عنه)
لقد
تكلمنا في مقالة سابقة عن الصحابي الجليل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -
وأرضاه، وذكرنا بعضًا من فضائله الكثيرة ومواقفه العظيمة، وفي هذا اللقاء
الكريم نتكلم عن ثاني الخلفاء الراشدين.


قال عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأبي موسى الأشعري ((افتح له وبشِّره بالجنة، ففتحت له فإذا هو عمر))؛ متفق عليه.



وقال أيضًا؛ ((إيه، يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقِيَك الشيطان سالكًا فجًّا قطُّ، إلا سلك فجًّا غير فجِّك))؛ متفق عليه.


هذا
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح
بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي، أبو حفص، أمير المؤمنين،
وثاني الخلفاء الراشدين، الملقب بالفاروق، الذي أيد الله به الإسلام، وفتح
به الأمصار، وهو الصادق المحدَّث الملهم، الذي قال فيه النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم -: ((لو كان بعدي نبي، لكان عمر بن الخطاب))؛ رواه أحمد،
والترمذي، والحاكم، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع، وهو أحد العشرة
المبشرين بالجنة - رضي الله عنه وأرضاه.


ولد - رضي الله عنه -
بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم،
وكانت إليه السفارة فيهم، وكان عند مبعث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
شديدًا على الإسلام والمسلمين، ثم دخل في الإسلام قبل الهجرة بخمس سنين،
فكان إسلامه عزًّا وقوة للمسلمين، وفرجًا من الضيق.


فعن ابن
عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((اللهم أعز الإسلام بأحبِّ هذين الرجلين إليك؛ بأبي جهل أو بعمر بن
الخطاب))، قال: ((فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب))؛ رواه الترمذي، وصححه
الألباني في صحيح الجامع.


وكان سبب إسلامه - رضي الله عنه - أن
أخته فاطمة بنت الخطاب كانت تحت سعيد بن يزيد بن عمرو العدوي، وكانا مسلمين
يخفيان إسلامهما من عمر، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يُقرأها
القرآن، فخرج عمر يومًا ومعه سيفه يريد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
والمسلمين وهم مجتمعون في دار الأرقم عند الصفا، وعنده من لم يهاجر من
المسلمين في نحو أربعين رجلاً، فلقيه نعيم بن عبدالله، فقال: أين تريد يا
عمر؟ فقال: أريد محمدًا الذي فرَّق أمر قريش، وعاب دينها فأقتله، فقال
نعيم: والله لقد غرَّتك نفسُك، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض
وقد قتلت محمدًا؟! أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم؟ قال: وأي أهلي؟! قال:
ختنك، وابن عمِّك سعيد بن زيد، وأختك فاطمة، فقد أسلما.


فرجع
عمر إليهما وعندهما خباب بن الأرت يُقرئهما القرآن، فلما سمعوا صوت عمر
تغيَّب خباب، وأخذت فاطمة الصحيفة، وألقتها تحت فخذيها، وقد سمع عمر قراءة
خباب، فلمَّا دخل قال: ما هذه الهينمة؟! قالا: سمعت شيئًا؟ قال: بلى، قد
أخبرت أنكما تابعتما محمدًا، وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته
لتكفَّه، فضربها فشجها، فلمَّا فعل ذلك، قالت له أخته: قد أسلمنا، وآمنا
بالله، ورسوله، فاصنع ما شئت، ولما رأى عمر ما بأخته من الدم، نَدِمَ وقال
لها: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون فيها الآن؛ حتى أنظر إلى ما
جاء به محمد، قالت: إنا نخشاك عليها، فحلف أنه يعيدها، قالت له: وقد طمعت
في إسلامه، إنك نجس على شركك، ولا يمسها إلا المطهرون، فقام واغتسل فأعطته
الصحيفة وقرأ فيها: طه، وكان كاتبًا فلمَّا قرأ بعضها، قال: ما أحسن هذا
الكلام وأكرمه، فلمَّا سمع خبَّاب، خرج إليه وقال يا عمر: فقال عمر عند
ذلك: فدلني يا خباب على محمد؛ حتى آتيه فأسلم، فدلَّه خبَّاب، فأخذ سيفه،
وجاء إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه فضرب عليهم الباب، فقام
رجل منهم، فنظر من خلال الباب، فرآه متوشِّحًا سيفه، فأخبر النبي - صلَّى
الله عليه وسلَّم - بذلك، فقال حمزة: إئذن له، فإن كان يريد خيرًا بذلناه
له، وإن أراد شرًّا قتلناه بسيفه، فأذِنَ له، فنهض إليه النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - حتى لَقِيه، فأخذ بمجامع ردائه، ثم جذبه جذبة شديدة، وقال:
ما جاء بك؟ ما أراك تنتهي حتى يُنزل الله عليك قارعة.


فقال عمر:
يا رسول الله، جئت لأومن بالله، وبرسوله، فكبر رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - تكبيرة عرف من في البيت أن عمر أسلم، قال ابن مسعود - رضي
الله عنه -: إن إسلام عمر كان فتحًا، وإن هجرته كانت نصرًا، وإن إمارته
كانت رحمة، ولقد كنَّا وما نصلي عند الكعبة؛ حتى أسلم عمر، فلمَّا أسلم
عمر، قاتل قريشًا؛ حتى صلى عند الكعبة، وصلَّينا معه"؛ "صحيح السيرة
النبوية"؛ للألباني.


هاجر - رضي الله عنه - إلى المدينة، وشهد
الكثير من المشاهد مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبويع بالخلافة يوم
وفاة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ثلاث عشرة سنة من الهجرة بعهد منه،
فكان يُضرب بعدله المثل.
قال عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((رأيت كأني أُتيت بقدح من لبن، فشربت منه، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب،
قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال العلم))؛ رواه الترمذي، وصححه
الألباني في جامع الترمذي.


وقد اشتهر عمر - رضي الله عنه -
بعدله الذي ساد به ديار الإسلام أثناء مدة إمارته، وشمل الناس جميعًا، وغدا
مضرب المثل، ويُعدُّ عمر - رضي الله عنه - المنظَّم الأول للدولة
الإسلامية، فقد ضمت الدولة الإسلامية أيامه شعوبًا كثيرة، فعمل على صهر ذلك
كلِّه في بوتقة الإسلام، واستطاع - رضي الله عنه - نتيجة لشعوره
بالمسؤولية وخوفه من السؤال يوم الحساب، وواجبه بالعمل والدعوة، وإيمانه
العميق بتطبيق الشرع، كل ذلك أدى إلى متابعته للولاة في جميع الأمصار،
والسهر على مصلحة الرعية، وتفقد أحوال الناس بنفسه، فكانت له الهيبة على
سائر نواحي الدولة الإسلامية، وكانت هيبة الناس له هيبةٍ محبةٍ واحترامٍ
وتقدير لحنوه عليهم، وعطفه على العامة، وعدله، وسهره في شؤون الأمة،
ومساواته بين أفراد المجتمع، وكان صورةً حيةً عن الإنسان المسلم لسائر
الملل الأخرى، فكان ذلك سببًا في دخول الكثير منهم في دين الله - تعالى.



وكان - رضي الله عنه - جريئًا بالحق، ومع هذه الجرأة كان ينصاع للحق مباشرة، وإذا خُوِّف بالله سَكَن.
ومن
فضائله - رضي الله عنه - أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (سمعت عمر
بن الخطاب يومًا، وقد خرجت معه حتى دخل حائطًا، فسمعته يقول وبيني وبينه
جدار وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، بخٍ، والله -
بُنَيَّ الخطاب - لتتقينَّ الله أو ليعذبنَّك))، وقال أيضًا - رضي الله عنه
- (أحبُّ الناس إليَّ من رفع إليَّ عيوبي).


عاش الفاروق - رضي
الله عنه - هموم الأمة، وشغلته شؤون الرعية، وأهمته حالة الناس، فهو يريد
أن يشاركَ الناس قضاياهم، ويعيش بمستوى أدناهم، يحب أن يطعم الجائع بيده،
ويعطي المحتاج من ماله، ويداوي المريض بنفسه، يتفقد أفراد المجتمع
ويواسيهم.


لقد أحسَّ الناس بما يهم الفاروق لما يرون ما يقوم به
فأحبوه، وكانوا على استعداد ليفدوه بما يملكون، وعملوا على تقليده والسير
على منواله، ففشت بينهم المحبة، وعمَّ الأمن، وانعدم الحسد، وفُقدت الغيبة،
وزال التعدي، وبدا المجتمع كتلة واحدة.


وفي أيام خلافته - رضي
الله عنه - تمَّ فتح الشام والعراق والقدس، والمدائن ومصر والجزيرة، وكان -
رضي الله عنه - أول من أرَّخ بالتاريخ الهجري، وكانوا يؤرخون من قبل
بالوقائع، وأول من وضع الدواوين، وكان يطوف في الأسواق منفردًا ويعس
بالليل.


لقد أُعطَي الفَارُوقُ عِلْمًا، ونَظَرًا ثَاقبًا
وفَهمًا، وشَفَافِية وذِهنًا، ورُؤْيةً وَاسعةً وحِكْمةً، وقد قال عنه رسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنه كان فيما مضى قبلكم من الأمم
محدَّثون، وإنه إن كان في أمتي منهم، فإنه عمر بن الخطاب))؛ رواه البخاري،
وفي رواية أخرى: ((يكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء))، وربما رأى الفاروق -
رضي الله عنه - رأيًا، أو خطر على باله خاطرٌ، فيأتي الوحي مؤيدًا رأيه،
وهذا ما عُرف بالموافقات، وقد حدث ذلك معه مرات عديدة.


ومن ذلك:

ما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: قال عمر: (وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا
رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلي، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، وآية الحجاب، قلت: يا رسول
الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهنَّ البَرُّ والفاجر، فنزلت آية
الحجاب، واجتمع نساء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الغيرة عليه،
فقلت لهن: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا
خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]، فنزلت الآية.


ومن ذلك كراهته -
رضي الله عنه - صلاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على المنافقين،
وكراهته للخمر، وحرصه على تحريمها، وكان يقول في ذلك: اللهم بيِّن لنا في
الخمر بيانا شافيًا، فنزل التحريم لها، وموافقته - رضي الله عنه - للرؤية
التي أُري فيها الأذان، والتي أقر بعدها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
أذان عبدالله بن زيد، الذي رآه أيضًا في منامه، ونزل بذلك الوحي مُصدِّقًا
لذلك.


قال عنه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: (ما على ظهر الأرض رجل أحب إليَّ من عمر).


وقال علي - رضي الله عنه - فيه: (إذا ذُكر الصالحون، فحيهلا بعمر، ما كنا نُبْعِدْ أن السكينة تنطق على لسان عمر).


وقال عنه الحسن البصري: (كان - رضي الله عنه - في إزاره اثنتا عشرة رقعة بعضها من أُدم، وهو أمير المؤمنين).


وعن
عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: (رأيت عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه -
أخذ تبنة من الأرض، فقال: ليتني كنت هذه التبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم
تلدني، ليتني لم أكُ شيئًا، ليتني كنت نسيًّا منسيًّا).


وعن عبدالله بن عيسى قال: (كان في وجه عمر خطَّان أسودان من البكاء).


وعن هشام بن الحسن قال: (كان عمر يمر بالآية وهو يقرأ فتخنقه العَبْرة، فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته حتى يعاد؛ يحسبونه مريضًا).


وكان
- رضي الله عنه - يتمنى الشهادة ويكثر من قول: (اللهم ارزقني شهادة في
سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك - رضي الله عنه)؛ رواه البخاري، فاستجاب
الله دعاءه، ونال الشهادة وهو في المدينة، استشهد - رضي الله عنه - على يد
أبي لؤلؤة المجوسي - غلام المغيرة بن شعبة - عليه من الله ما يستحق، قتله
غيلة وهو في صلاة الصبح سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، فرضي الله عن عمر
الفاروق، وعن سائر الصحابة والتابعين، وكانت من أقواله العظيمة، والتي
ينبغي أن تسطر بماء الذهب:


• حرفة يُعاش بها خير من مسألة الناس.


• وقال: (إذا رأيتم العالِم يحب الدنيا، فاتهموه على دينكم، فإن كلَّ مُحبٍّ يخوض فيما أحبَّ).



وقال: (لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم
أجمعون، إلا رجلاً واحدًا، لخشيت أن أكونه، ولو نادى منادٍ: أيها الناس،
إنكم داخلون النار، إلا رجلاً واحدًا، لرجوت أن أكونه).




• وقال أيضًا: (لا تنظروا إلى صيام أحد، ولا إلى صلاته، ولكن انظروا من إذا حدَّث صدق، وإذا ائتمن أدي، وإذا أشفى ورع).



وقال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أيسر، وزنوا أنفسكم قبل أن
توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية).

هذا غيض من فيض من سيرة عمر ومواقفه وأقواله.


فرضي الله عن عمر الفاروق، وعن جميعِ الصحابةِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد.

[1] متفق عليه.

[2] ما عكم عنه: ما تأخر عنه.

[3] سيرة ابن هشام.

[4] طبقات ابن سعد، وفي بعض السير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين أبي بكر، وبين خارجة بن زيد بن أبي زهير.

[5] متفق عليه.

[6] متفق عليه.

[7]رواه مسلم.

[8] رواه الترمذي، وقال: حديث غريب.

[9] سيرة ابن هشام.


الالوكة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sitealgerie.yoo7.com/
 

اولئك الذين هدى الله

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» انضر ...هؤلاء عباد الله الذين رفع عليهم القلم ماذا يفعل بهم
» الاستماع الى اكثر من 200قارئ من كل بقاع العالم بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اتيتكم اخواني بموقع جديد فيه اكثر من 100 قارئ لكتاب الله ارجو منكم فقط الدعاء في ظهر الغيب خاصة الليلة حفظكم الله اخواني اللهم حبب الي قلوبنا قرائة القر
»  الفضل العظيم للكلمات الأربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
»  الفضل العظيم للكلمات الأربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
» تحميل كتاب الجزء السادس من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، خليفة رسول الله(مخطوط)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نجم الجزائر :: إسلاميات :: القسم الاسلامي العام :: السيرة النبوية-